تتحدث حكايتنا عن شابة تبلغ من العمر خمسة و عشرون سنة، كانت تعمل في مكتب عقاري بشارع فولهام حيث كانت فتاة طموحة و جادة في عملها، و قد كانت حياتها الشخصية و العملية تسير بشكل عادي دون أن تنغص عليها أية مشاكل أو عوائق، إلى أن جاء فيه يوم تلقت فيه سوزي دعوة من أحد الزبائن و قد كان موضوع اللقاء يتناول عرض بيع لعقار مكون من ثلاثة طوابق بسعر ١٢٨ جنيه إسترليني و كانت سوزي تأمل من إتمام هذه الصفقة و الحصول على عمولة مجزية.
الإختفاء الغامض
قبل يوم وقوع الحادثة قضت سوزي في ظهر ذلك اليوم بالرد على المكالمات الهاتفية التي تستفسر عن أسعار العقارات و الشقق و تقارنها مع أسعار المكاتب العقارية المنافسة، كما إتصلت ببعض الأصدقاء و بالبنك الذي تتعامل معه لتخبره أنها فقدت قبل أيام دفتر شيكاتها مع بطاقة البريد و مفكرة الجيب الصغيرة.
و قبيل موعد الغذاء توجهت إلى مكتب مارك غوردون مدير المكتب و أخذت مفاتيح البيت الواقع في شارع شورولدز و خرجت، ركبت سيارتها الفورد الصغيرة من نوع فيستا التي زودها بها صاحب العمل و توجهت إلى المكان المقصود الذي لا يبعد عن المكتب بالسيارة سوى ثلاثة أور أربع دقائق.
أخذت سوزي محفظته الصغيرة التي تضع فيها النقود و تركت حقيبة يدها في المكتب، و قد خمن المدير أنها سوف تعود بسرعة و معها وجبة الغذاء الخفيفة لتتناولها في المكتب و تظل على إتصال بالعملاء و تلقي المكالمات كعادتها، و لما طالت غيبتها لعدة ساعات أخذ القلق يساور زملاءها في العمل مما جعل السيد مارك غوردون يتوجه مع أحد الموظفين إلى البيت المعروض للبيع حيث لم يعثرا على أثر لها أو لسيارتها، و قبل أن يغادرا المكان علما من أحد الجيران يبلغ من العمر ٥٨ عاما و هو أعزب أن سوزي حضرت إلى البيت مع أحد الشبان و تأملا البيت من الخارج، و كان يبدو على الشاب الثراء و الواجهة،عاد السيد مارك إلى المكتب و راجع ملفات عملائه فلم يجد بينهم إسم السيد "كيبر".
إتصل غوردون بوالدة سوزي التي كانت في الرابعة و الخمسين من العمر و تعمل معلمة سباحة و تدعى ديانا لامبلاف، و كان منزلها على بعد أميال قليلة من المكتب، سأل المدير الوالدة عما إذا كانت سوزي قد عرجت عليها لتناول الغذاء معها، فأجابت الأم بأنها لم ترى سوزي منذ الأمس و كانت سوزي تسكن في شقتها القريبة من منزل والديها، و التي كانت قد إشترتها قبل ست سنوات بمبلغ ٧٠ ألف جنيه إسترليني، ثم إتصل بطوارئ المستشفيات، و أخيرا إتصل مساءا بسكوتلاند يارد و أبلغ البوليس بإختفاء سوزي، و بعد ست ساعات من إختفاء سوزي إتصل بالمختبر بيتر جونسون الذي كان مشغولا يومها بالتحري حول جريمة إغتصاب و قتل، و قد ظن المخبر أن إختفاء سوزي قد يكون مشابها للحادثة التي يتحرى عنها.
و بحسب البلاغات عن حلات الإختفاءات التي شهدتها لندن فقد كانت في معظمها إما يكون المختفي هاربا من عائلته أو من دائنيه بإرادته او يكون الإختفاء رغم إرادة المختفي.
و كانت حالة سوزي تبدو من النوع الثاني لأنها كانت سعيدة في حياتها و ليس هناك ما يدعوها إلى الهرب أو الإختفاء، خاصة و أنها قد تركت حقيبة يدها في المكتب و ليس هناك أي دليل يشير إلى تدبير خطة للهرب.
أرسل جونستون بعض رجاله إلى شقة سوزي للتحقق من عدم وجودها هناك، و بالطبع لم يجدوها في الشقة، و جدوا غرفة النوم مرتبة و لا أثر لدخول أي زائر أو لفقدان أي ثياب أو حقيبة سفر. كما توجه رجلان إلى البيت المعروض للبيع و لم يعثرا هناك أيضا على أي دليل يجعلهم يتمكنون من إكتشاف سر قضية إختفاء سوزي الغامض و كان العثور على سيارة سوزي هو الدليل الوحيد الذي نجح البوليس بالعثور عليه.
لقد كان والد سوزي في سيارة البوليس التي كانت تبحث في الشوارع عن سوزي عندما سمع من المذياع خبر العثور على السيارة في شارع سكني هادئ على بعد كيلومترين تقريبا من العقار المعروض للبيع، و قرر المفتش جونستون عدم الإقتراب من السيارة حتى اليوم التالي ليتفحصها في ضوء النهار حيث أن العثور عليها تم عند الساعة العاشرة ليلا.
كان واضحا أن السيارة قد تم وضعها قرب إحدى زوايا الشارع على عجل، حيث كانت مؤخرتها تسد جزئيا مدخل أحد الكاراجات. و كان باب السائق مفتوحا، أما الباب المجاور فقد كان مقفلا، و قد تبين أن مقعد السائق كان قد تم تحريكه للخلف ليناسب طول السيد "كيبر" الذي كان أطول من سوزي كما أفاد الشاهد الوحيد"الجار". و بعد هذا الدليل المهم لم يتم العثور على أي دليل آخر.
لقد وزع البوليس أوصاف سوزي و السيد "كيبر" على دوريات البوليس، و كانت سوزي فتاة واثقة قوية الإرادة، و كان لها أخ أكبر منها و أختين أصغر منها، كان طولها خمسة أقدام و ست بوصات و شعرها أشقر اللون، ترتدي معطفا أسود اللون و تنورة رمادية، أما "كيبر" فقد كان أطول منها ببوصتين تقريبا، و قد كان شابا حليقا، وسيما، و أنيقا بين الخامسة و العشرين و الثلاثين من العمر. و بعد تسعة أشهر من إختفاء سوزي مع السيد المجهول المدعو"كيبر" أقامت عائلتها قداسا في الكنيسة القريبة حيث أحضر زملاؤها زهورا و كأنهم يحتفلون بمناسبة زفافها. و قد أختتم القداس بكلمات قليلة قالها والدها:"بينما نحن غير متأكدين أن سوزي حية، فإننا لا نعتقد أنها ميتة، و هذه هي المفارقة الموية بالتناقض و الحيرة ".
ختاما
وفي نهاية الحكاية السؤال الذي نطرحه هو ما السبب الخفي الذي يكمن وراء إختفاء الشابة سوزي لامبلاف الغامض؟ و هل يكون للسيد المجهول "كيبر" يد فيه؟ كل هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها لأنه لم يتم العثور على أية خيوط توصل البوليس إلى مكان سوزي المختفية و الذي سيظل إختفائها مجهولا للأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق